قصتي مع المحاماة: إلى حيث تقودني العدالة

حين يولد الإنسان إلى هذه الحياة، لا يختار طريقه، ولا يمتلك في البداية حرية القرار في كثير من الأمور. قد يمضي البعض سنواته الأولى بلا هدف يضيء دربه، فيعيش في فراغ قاتل لا شغف فيه ولا سعي لهدف سامٍ. وهذا، بلا شك، أسوأ شعور قد يمر به الإنسان. ولكن الحقيقة التي لا بد أن ندركها هي أن كل الأهداف المشروعة قابلة للتحقيق ما دمنا نتوكل على الله ونسعى بصدق وإخلاص لتحقيقها.
كما قال تعالى: *«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» [التوبة: 105].
بدأت رحلتي مع المحاماة بخطوات لم أخطط لها مسبقاً، لكنها قادتني إلى ما أنا عليه اليوم. كنت أدرس تخصص الموارد البشرية في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وحينما حلت إحدى الإجازات الفصلية، تعرضت إحدى معارفي لخطأ طبي فادح. حينها، ظهرت داخلي محامية بالفطرة؛ وجدت نفسي أبحث وأحلل التنظيمات، وأحاول تقديم ما يمكن تقديمه في ذلك الوقت. كانت تلك الحادثة بمثابة الشرارة التي أشعلت شغفي الخفي.

عدت من الإجازة إلى الجامعة، لأرى إعلانًا عن فتح باب القبول في تخصص الأنظمة. لم أتردد لحظة، توجهت مباشرة إلى العمادة وغيرت تخصصي، بالرغم من أنني كنت على وشك التخرج من الموارد البشرية. لكن القلب يميل حيث يجد شغفه، والمواقف تفتح لنا أبواباً جديدة لم نكن نعلم بوجودها. خلال فترة دراستي للأنظمة، لم تخلُ رحلتي من التحديات. كنت أسمع تعليقات، بعضها مباشر وأخرى ضمنية، تحمل تساؤلات مثل: "ماذا ستفعلين؟ لا توجد محاميات!" ولكنني كنت على يقين أن العزيمة والإصرار هما الجسر الذي سيقودني لتحقيق ما أطمح إليه. تخرجت بدعم وحب كبير من والدي رحمه الله، الذي كان يعشق العلم والحق ونصرة المظلوم. كان هو الداعم الأول لي بعد الله، يدفعني نحو العدالة بكل حب وإيمان. بدأت مسيرتي العملية بالتطوع، ثم عملت كباحثة قانونية، ومن بعدها مستشارة قانونية. كانت تلك السنوات حافلة بالمواقف والقصص، بعضها دونته في كتابي "مهارات التأهيل المهني في مهنة المحاماة." وفي عام 2013، تقدمت للحصول على رخصة المحاماة. سافرت مع والدي من جدة إلى الرياض لمراجعة إدارة المحاماة، فقد كان التقديم الإلكتروني حينها غير متاح، وكانت رخص المحاماة للنساء فكرة جديدة وغير مألوفة. ولكن بفضل الله، حصلت على الرخصة بتاريخ 6 أكتوبر 2013.

لحظة حصولي على الرخصة كانت مزيجًا من الفرح والمسؤولية. شعرت أنني أمام مسؤولية عظيمة تجاه هذه المهنة النبيلة، فدخلت غمارها بروح مليئة باليقين، وبصدر رحب لتحقيق العدالة.

مرت السنوات سريعًا، واليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمن في هذه المهنة، أنظر إلى رحلتي بفخر وشكر لله. كانت المحاماة ليست مجرد مهنة، بل رسالة حياة أؤديها بإخلاص لتحقيق الحق ونصرة المظلوم.

الحمد لله دائماً وأبداً.

يمكنك الاطلاع على مقالاتي من هنا